في بعض المراحل من حياتنا، لا تكون الوحدة خيارًا بل قدرًا، نصل إليه بعد صراعات، وخيبات، وربما ضجيج طويل أنهك أرواحنا. ومع الوقت، تتحوّل الوحدة من شعور ثقيل إلى وطن دافئ نلجأ إليه، نحتمي فيه من صخب العالم، ونرتب أفكارنا المتناثرة.
الوحدة لا تعني العزلة السلبية دائمًا، بل قد تكون فسحة سلام تمنحنا فرصة للجلوس مع ذواتنا، لنتصالح مع أخطائنا، ونُرمم ما كسرته الحياة فينا. في الوحدة نسمع صوت أنفسنا، ذلك الصوت الذي يضيع غالبًا في زحام الناس.
هناك لحظات لا يفهمنا فيها أحد، مهما تحدثنا وشرحنا. وفي تلك اللحظات، لا نجد أقرب من وحدتنا لنُفضي إليها بما نشعر، دون تكلّف، دون انتظار رد. هي الاستماع الصادق عندما يُرهقك الإنصات للآخرين.
لكن، ككل الأشياء، يجب ألا تتحوّل الوحدة إلى سجن. يجب أن نعرف متى نخرج منها، متى نسمح للنور أن يدخل، ومتى نسمح لقلب آخر أن يطرق باب عالمنا الصامت.
فالوحدة، إذا عشناها بوعي، ليست ضعفًا، بل طاقة تعيد ترتيب الحياة داخلنا، وتمنحنا قوة نستمدها من أنفسنا لا من الآخرين.